google-site-verification=U5_6sorsWvsDaJfyOjC_O6Nquh81g-az0JusTOrPcv0
top of page

قصة نور: الأم الوحيدة

صورة الكاتب: الاخصائية النفسية سارة أدهمالاخصائية النفسية سارة أدهم

كانت نور، امرأة مطلقة في أواخر الثلاثينيات، تسير في الحياة كما يسير العابرون في صحراء ممتدة بلا نهاية. بعد انفصالها عن زوجها الذي لم يتحمل أعباء الأبوة ومسؤوليات الأسرة، وجدت نفسها عالقة بين مطرقة الشعور بالذنب وسندان الوحدة القاسية. لم يكن الانفصال خيارها، بل ضرورة فرضتها خيانات زوجها المستمرة وهروبه من المسؤولية، تاركًا إياها وحدها تواجه أمواج الحياة العاتية.




الأب الذي هدم العائلة

كان طليق نور رجلاً يتقن فن الهروب، يُلقي باللوم على الآخرين عند كل منعطف. كان يرى في نفسه الضحية الأبدي، غير قادر على إدراك أن غياب مسؤوليته كان السبب الحقيقي في انهيار الأسرة. كل خطأ يرتكبه الأبناء كان يُعلق على شماعة نور، كأنما هي وحدها الحارس الوحيد لهذا السفينة الغارقة. لم يكن مستعدًا ليعترف بأنه كان الريح التي قوضت أشرعة العائلة.

نور: رحلة الشعور بالذنب والوحدة

كانت نور تشعر بثقل لا يُحتمل على كاهلها. تحملت مسؤولية أطفالها المراهقين، الذين كانوا في خضم صراع داخلي بين التمرد الطبيعي لهذه المرحلة العمرية وبين الحنين إلى وجود أبٍ يرشدهم. كانت تسهر الليالي باكية، تتساءل إن كانت قد اتخذت القرار الصائب بترك زوجها. تسكنها شكوك تُشبه أشباحًا تهمس في أذنها: "هل كنت السبب؟ هل قصرت في شيء؟".

البحث عن مخرج وهمي

مع اشتداد الوحدة وزيادة الضغوط، بدأت نور تفكر في الزواج مجددًا، لا حبًا في الشريك الجديد، بل هروبًا من الشعور بالعجز. أرادت شخصًا يُشاركها حمل المسؤوليات الثقيلة، ويُعيد إليها صورة الأسرة التي فقدتها. ولكن، كان قرارها هذا مبنيًا على رغبة في الظهور الاجتماعي أكثر منه على أسس عاطفية سليمة.


الطريق إلى هاوية أعمق

ارتبطت نور برجل ظنت أنه سيخفف عنها أعباء الحياة، لكنه كان أشبه بطوق نجاة مصنوع من الحجارة. بدلًا من أن يكون دعمًا، أصبح مصدرًا جديدًا للمتاعب. زاد من تعقيد حياتها بمشاكله الخاصة، وساهم في إشعال فتيل الأزمات داخل الأسرة. أصبحت نور تشعر وكأنها تغرق أكثر فأكثر، وكأن محاولتها للفرار من الألم لم تكن إلا وسيلة لجلب ألم جديد.


المراهقون: انعكاس الأزمة

كان أبناؤها المراهقون يتأرجحون بين الغضب والحزن، يعبرون عن اضطرابهم الداخلي بطرق مختلفة. تراكمت داخلهم مشاعر الإحباط الناتجة عن غياب الاستقرار العائلي، مما دفعهم للبحث عن ملاذات خارج المنزل. بعضهم انجذب إلى صداقات مشبوهة مليئة بالتحديات الأخلاقية، بينما فضل آخرون العزلة، يختبئون وراء جدران غرفهم، يلتهمهم شعور بالضياع.

مع كل يوم يمر، تصاعدت موجات التمرد والتذمر. كانت كلماتهم حادة، تصرفاتهم متناقضة، وكأنهم يصارعون عالماً غريباً وغير مفهوم. لم يكن تمردهم مجرد صراخ في وجه الأم، بل كان انعكاسًا لغضب داخلي عميق تجاه غياب الأب ونقص التوجيه. أصبحت نور حبيسة دائرة لا تنتهي من محاولات التهدئة والتوجيه، بينما كانت مشاعرها بالعجز واليأس تتعمق أكثر فأكثر. شعرت وكأنها تخوض معركة خاسرة، حيث كل محاولة للاقتراب منهم تُقابل بجدار عاطفي صلب، يزيد من ثقل حملها اليومي.



العلاج النفسي لا يعني وجود خلل فيك، بل اداة تعينك على التغيير و تمدك بالسند و القوة
العلاج النفسي لا يعني وجود خلل فيك، بل اداة تعينك على التغيير و تمدك بالسند و القوة


اللجوء إلى العلاج النفسي: بداية طريق جديد

أمام هذا الوضع المرهق، قررت نور اللجوء إلى معالج نفسي متخصص، بحثًا عن سبيل للخروج من أزمتها. خلال جلسات العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، بدأت نور تدرك أن الخطوة الأولى للتحسن تبدأ بإعادة صياغة أفكارها وتصحيح المفاهيم التي تعزز شعورها بالعجز.

خطوات العلاج:
  1. التعرف على الأفكار السلبية: ساعدها المعالج على التعرف على الأفكار المشوهة، مثل "أنا فاشلة كأم"، واستبدالها بأفكار أكثر واقعية وإيجابية، كأن تقول: "أنا أبذل قصارى جهدي في ظروف صعبة."

  2. إعادة بناء الروتين: طُلب من نور إنشاء جدول يومي يتضمن أنشطة تعيد لها إحساسها بالسيطرة، مثل ممارسة الرياضة أو تخصيص وقت لهواياتها القديمة.

  3. تحسين التواصل مع الأبناء: تعلمت نور كيفية الإنصات إلى أبنائها دون الحكم عليهم، ومحاولة فهم غضبهم كجزء من شعورهم بالضياع، بدلاً من اعتباره هجومًا شخصيًا.

  4. وضع حدود صحية: ساعدها المعالج على فهم أهمية وضع حدود واضحة مع أبنائها ومع أي شريك محتمل، لحماية صحتها النفسية والعاطفية.

  5. التدريب على الاسترخاء وإدارة التوتر: تضمنت الجلسات تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق، لمساعدة نور على التعامل مع الضغوط اليومية.



رسالة أمل

نور لم تنتهِ رحلتها بعد، لكنها أدركت أن الألم ليس نهاية الطريق، بل بداية لقصة جديدة. بدأت تخطو خطوات صغيرة نحو التحسن، وتعلمت أن التغيير يبدأ من الداخل، وأن مواجهتها للمشاكل بروح صادقة وإرادة قوية يمكن أن تكون المفتاح لإعادة بناء حياتها. أما أبناؤها، فقد بدأوا يشعرون بتحسن مع استعادة والدتهم لتوازنها، مما منحهم الأمان الذي فقدوه.

ما رأيك؟ 🗨️

الحياة مليئة بالتحديات التي نواجهها جميعًا بطرق مختلفة. كيف تتعاملون مع الصعوبات في حياتكم الأسرية؟

ما رأيكم في قرارات نور؟ هل كان بإمكانها اتخاذ خيارات مختلفة؟

نود سماع تجاربكم وآرائكم في التعليقات أدناه. لا تترددوا في مشاركتها، فقد تكون كلماتكم بداية لرحلة أمل جديدة لشخص آخر. 💬

إذا أعجبتكم المدونة، شاركوها مع أصدقائكم وعائلاتكم. النقاشات التي نفتحها هنا تساعدنا جميعًا على رؤية الأمور من زوايا جديدة. 🌟









 
 
 

Comments


  • Threads
  • Instagram
  • Facebook
  • YouTube
bottom of page